ما الذي ميز عصر التنوير ؟
عصرالتنوير حركة فكرية ظهرت خلال القرن الثامن عشر،أين تم تحدى الأعراف السياسية والدينية التي كانت راسخة في أوروبا منذ بداية العصور الوسطى.
فيما يلي نقدم حقائق ليس فقط لتوضيح المعتقدات الأساسية للحركة، ولكن أيضًا لتوضيح بعض المفاهيم الخاطئة الشائعة حول تأثيرها المعقد - والمتناقض في بعض الأحيان - على مسار التاريخ البشري.
لم يقتصر عصر التنوير على فرنسا
على الرغم من أن العديد من مفكري عصر التنوير الأكثر تأثيرًا - مثل رينيه ديكارت، وفولتير، وجان جاك روسو، وبارون دي مونتسكيو - كانوا فرنسيين، إلا أن عصر التنوير لم يكن بأي حال من الأحوال ظاهرة فرنسية فريدة. وبدلاً من أن تَشِعَّ الحركة إلى الخارج من باريس، تطورت بشكل متزامن وفي بعض الأحيان بشكل مستقل في أجزاء مختلفة من أوروبا.في إنجلترا كان هناك رجل الاقتصاد آدم سميث مؤلف الكتاب المؤيد للرأسمالية " ثروة الأمم" (1776). وفي أمريكا الشمالية قام بنجامين فرانكلين وتوماس جيفرسون بتوجيه المُثُل المستنيرة إلى النضال من أجل الاستقلال الأمريكي والحكم الديمقراطي في سبعينيات وثمانينيات القرن الثامن عشر. ومن منزله الذي قضى فيه حياته في كونيجسبيرج (كالينينجراد الآن) صاغ الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط حتمية قاطعة: القواعد الأخلاقية التي تنطبق على كل فرد في المجتمع سواء كان سيدًا أو وضيعًا.
لقد ساهم عصرالتنوير في العلم الحديث
إن المبادئ التي وحدت مفكري التنوير من مختلف البلدان - العقلانية، التجريبية، الشك، الذاتية - هي نفس المبادئ التي توجه الباحثين والأكاديميين المعاصرين اليوم.ترى العقلانية أن المعرفة يجب أن يتم اكتسابها من خلال العقل وليس من خلال العاطفة أو الإيمان،إن التجريبية والشكوكية أتت للتشكيك في كل شيء وكل شخص.الذاتية هي اعتراف بأن الحقيقة غالبًا ما تعتمد على وجهة نظر الفرد.
يمكن إرجاع طبيعة البحث العلمي في العصر الحديث إلى فلاسفة عصر التنوير البدائي مثل ديكارت الذي توفي عام 1650م. والذي صاغ العبارة الشهيرة (أنا أفكر، إذن أنا موجود). تعتبر المقترحات صحيحة فقط إذا لم يتمكن من إثبات كذبها. اليوم تدور المشاريع البحثية من المدارس المتوسطة إلى الجامعات حول التحقيق في"الفرضية الصفرية" التي تحاول دحض الفرضية التي تدعي أنه لا يوجد فرق بين متغيرين.
حركت نشأت من رحم الإصلاح البروتستانتي وعصر النهضة الإيطالية
اعترض الإصلاح البروتستانتي وهو ثورة ضد الكنيسة الرومانية الكاثوليكية ومذاهبها على الفكرة القديمة القائلة بأن الملوك يستمدون سلطتهم الأرضية من الله.كما ساهمت الثورة العلمية في القرن السادس عشروأوائل القرن السابع عشروالتي كانت في حد ذاتها نتاج حركة الإصلاح الديني في عصر التنوير،في الاكتشافات التي دحضت المعتقدات الشائعة مثل اعتبارأن الأرض مركز النظام الشمسي.من جهة أخرى يدين عصر التنوير بوجوده إلى عصر النهضة. الذي أدى بالإضافة إلى تجديد أنماط الفن التي ماتت منذ فترة طويلة إلى إحياء الاهتمام بالنصوص الكلاسيكية من حوارات أفلاطون إلى الفلسفة الجمهورية لروما القديمة.
لم يكن عصر التنوير السبب الوحيد للثورة الفرنسية
بدأت الاضطرابات المدنية في فرنسا بسبب قضايا نقدية من بينها الديون المتراكمة بسبب الصراعات الدولية مثل الثورة الأمريكية وخطة الملك لويس السادس عشر لزيادة الضرائب استجابة لذلك. ومع ذلك فإن الشكل الذي اتخذته هذه الاضطرابات كان بلا شك نتيجة للأفكارالتي تم تقديمها خلال عصر التنوير. ولم يكن المتظاهرون يتمردون ضد ملكهم فحسب، بل ضد النظام السياسي الذي يمثله.كما جادل روسو بأن المؤسسات المعيبة تفسد الخير المتأصل في الإنسانية وليس العكس (كما يعتقد خصومه المحافظين)، واقترح روسو أن يستمد الملوك سلطتهم من الشعب.
من المفارقات أن نابليون بونابرت أسس إصلاحات التنوير في فرنسا
بذل الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت الكثير أجل الثورة والتنوير .حيث استخدم الجنرال الكورسيكي سلطته المطلقة لتمرير إصلاحات شاملة ربما لم تكن لترى النور أبداً في ظل ظروف أكثر ديمقراطية.خلال الخمسة عشر عامًا التي قضاها على العرش أعطى نابليون فرنسا سلطة قضائية وبنكًا مركزيًا ونظامًا للتعليم الثانوي (المدارس الثانوية). لقد استبدل محاباة النظام القديم بالبيروقراطية المنظمة والجدارة، وألغى الإقطاع وليد العصور الوسطى وطبق الحرية الدينية وأدخل المساواة أمام القانون من خلال قانون نابليون، الذي لا تزال جوانب منه جزء لا يتجزأ من الدساتيرالأوروبية حتى يومنا هذا.
ومع ذلك و كجزء من سعيه لتوسيع الإمبراطورية الفرنسية العالمية أعاد نابليون أيضًا العبودية في منطقة البحر الكاريبي الفرنسية في عام 1802، وحرم الأشخاص الأحرار الملونين من الحق في المساواة.
لم يضع عصر التنوير حداً للعبودية
من المفاهيم الخاطئة الشائعة حول حركة التنوير أن الحركة ساعدت في وضع حد للعبودية البشرية في المستعمرات الأوروبية. على الرغم من أن عصر التنوير حدث قبل وقت قصير من قيام العديد من الدول الأوروبية بإلغاء العبودية بدءًا من الدنمارك عام 1803 إلا أن العلاقة بين الحدثين التاريخيين لا تزال غامضة.والحقيقة هي أنه في حين عارض بعض المفكرين المستنيرين العبودية بذل آخرون قصارى جهدهم للترويج لها. جادل مفكرون مثل روسو ولوك بأن حقوق الإنسان غير قابلة للتصرف و تتجاوز لون البشرة مما يجعل العبودية غير طبيعية ولا يمكن تبريرها، لكن العديد من معاصريهم دافعوا عن التفوق الأبيض. وكان من بين هؤلاء العديد من الآباء المؤسسين للولايات المتحدة بالإضافة إلى كانط الذي أيد الفكرة الزائفة المتمثلة في التسلسل الهرمي للأعراق.
عصر التنوير كان ملهما للثورة الأمريكية
ولأن فرنسا تحالفت مع المستعمرات الأميركية الثلاث عشرة في الحرب الثورية فلا ينبغي لنا أن نندهش عندما ندرك تأثيرعصر التنوير العميق على تشكيل حكومة الولايات المتحدة. وهذا التأثير موجود في إعلان الاستقلال عام 1776 الذي يحدد الحياة والحرية والسعي لتحقيق السعادة كحقوق إنسانية أساسية.هذه الحقوق إلى جانب الفصل بين السلطات على النحو المبين في نص مونتسكيو عام 1748 في كتابه"روح القوانين" تم تكريسها بشكل أكبر في دستور الولايات المتحدة .وأي طالب في التاريخ الأميركي سوف يدرك أيضاً أن الدولة الوليدة تبنت مواقف التنوير المتناقضة تجاه المساواة العرقية، حيث أشاد العديد من نخبة ملاك الأراضي بالعقد الاجتماعي الذي وضعه روسو في حين فشلوا في تطبيق تعاليمه على أي شخص لم يكن أبيضاً.